هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محمد راسم

اذهب الى الأسفل

محمد راسم Empty محمد راسم

مُساهمة  Admin الخميس يناير 08, 2009 12:16 am

محمد راسم رسّخ الهوية الجزائرية بفنه



باريس - مي الحسني



بدأ الاهتمام بالحضارة الجزائرية مع دخول المستشرقين والانثروبولوجيين والفنانين الى هذا البلد، واطلاعهم على كنوزه، ما زاد في ثرائهم الثقافي وتطوير فنونهم بكل أشكالها. وهم في المقابل ساهموا في فتح ابواب حضاراتهم على المجتمع الاسلامي. وكانت محصلة هذا الاحتكاك قد تمثلت في بروز فنانين جزائريين مشاهير ذوي مدارس متميزة أثروا الحركة الفنية الجزائرية بمجموعات مهمة من نتاجاتهم الفنية.



وربما يكون فن المنمنمات (الصور التصغيرية)، أبرز سمات الفن الجزائري، حيث يتضح فيه الارتباط الوثيق والتناسق البنائي بين فن كتابة الخط وأبعاد الزخرفة الهندسية، اضافة الى التطور النوعي الذي فرضته ظروف المنطقة من الانفتاح على الغرب والتأثر بالمدارس الفنية الاوروبية وأساليبها في التعبير دون طمس الشخصية الجزائرية. ولقد سعى العديد منهم الى توظيف هذا التزاوج بين المدرستين لتطوير الحركة الفنية الجزائرية ونقلها من محيطها المحلي الى الافق العالمي.



وضمن هذه البيئة من التمسك بالأصل والتراث والانفتاح على الآخر ترعرع العديد من الفنانين التشكيليين الجزائريين وعلى رأسهم الفنان محمد راسم. ويعد هذا الفنان من رواد «فن المنمنمات».



ولد محمد راسم في منطقة القصبة احد احياء الجزائر العاصمة القديمة في الرابع والعشرين من حزيران - يونيو- العام 1896 وهو من عائلة أخذ عنها الفن بالوراثة. كان أبوه علي فناناً برع في النحت والتصوير على الخشب الذي يزين به الجدران والاطارات وصناديق العرائس، ورسم المنمنمات بخطوط ذهبية على الزجاج الذي تزين به المنازل من الداخل. وكان عمه واخوه عمر قد مارسا أيضاً هذه المهنة. وقد أظهر محمد راسم منذ طفولته مواهب فذّة وبراعة فائقة في ممارسة عمله الفني وتذوقاً فطرياً للرسم والتلوين، وخيالاً خصباً واحساساً مرهفاً. ثم انتقل الى مدرسة الفنون الجميلة في الجزائر فأبدى تفوقاً في الفن. وأول انتاج عظيم حققه لشركة الطبع التزييني «بيازا» هو كتاب «حياة محمد راسم». الذي زينه الفنان نصر الدين دينه. استطاع بعدها السفر الى باريس ليعمل في قسم المخطوطات في المكتبة الوطنية وحصل على منحة سمحت له بزيارة اسبانيا والتعرف على الآثار الاسلامية بقرطبة وغرناطة.



توجه بعد ذلك الى لندن حيث اذن له السير دينزن روس، استاذ الدراسات الايرانية، بالدخول الى ارشيف المتاحف والاطلاع على عالم المنمنمات. وراحت رسومه تعرض في انحاء متفرقة من العالم، من قبيل باريس والقاهرة وروما وتونس وبوخارست واوسلو واستوكهولم وكوبنهاكن. وفي العام 1924 وقع عليه الخيار لرسم كتاب الف ليلة وليلة الذي انتجه مارد روس، وانتهى راسم من تزيين الكتاب في العام 2391 وأخرج فيه كل عبقريته وبراعته. ونلحظ من مجموع لوحات الف ليلة وليلة اسرار تنظيم المساحات ونسق توزيع الأشكال والألوان.



واستمر راسم يعمل لحساب شركة الطبع «بيازا» فزيّن برسومه كتاب «خضراء» لديني وكتاب «حديقة الورود» لسعدي او كما تسمى «حديقة الجزائر العاصمة». وتؤكد اللوحة على نظرية جمالية الكثافة. وفي هذا العمل نلمس تأثير الفن الفارسي من القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادي على نتاجه لرسم طبيعة الجزائر ومناظرها الخلابة، فقد رصّت الألوان بشكل محكم لتضمحل الخطوط وتصبح أقل أهمية. ويحيط باللوحة اطار عريض يستعمل للتركيز على محتوى اللوحة. ويمكن القول انها تتكون من موضوعين داخل اللوحة الواحدة. الاطار بزخرفته الحلزونية والاشكال النباتية والموضوع داخل اللوحة ما يقدم شكل الحياة الرومانسية الهادئة وأدق تفاصيل الطبيعة.



كما قام بتزييـــن القـــرآن الكريم لفرانس توسان، والسلطانة لروز دوما رافال برثانيان، واناشيد القافلة لـوديان. وأصبح العالم كله يعترف للفنان بنبوغه عالم المنمنمات فمنح وسام المستشرقين العام 1924 وحصل على جائزة الجزائر الكبرى العام 1933 وعين استاذاً في مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر ليكون اول جزائري يتسنم هذا الموقع في ظل الاحتلال الفرنسي.



ولقبه الخبير في الفن الاسلامي جورج مارسي الذي يعد من بين الأوائل الذين اكتشفوا وقدروا مواهب محمد راسم الفذة، بـ «مغنّي الجزائر» لولعه بتراث الجزائر موطنه ومسقط رأسه، وحبه لماضيه القريب والبعيد ومحاولاته الجادة لاحياء هذا التراث عبر فنه.



لقد تجسدت مشاعر راسم تجاه الوطن في لوحات عدة منها ليالي رمضان في حي جومة سيدي محمد الشريف، التي شكلت قفزة نوعية من حيث الموضوع والتركيب، واستعماله ادوات الفن الاوربي عند تناوله الحياة اليومية للمجتمع الجزائري في أدق تفاصيلها.



انتخب محمد راسم عضواً شرفياً في الجمعية الملكية البريطانية لفناني تصوير المنمنات في العام 1950، واستفاد من شهرته وفنه في العمل على تحرير الجزائر، عبر تجسيد الشخصيات الوطنية في لوحاته، من نظير لوحة الامير عبد القادر الجزائري بلباسه العسكري، والتي لم يكثر فيها الألوان المتضادة، بل طغى عليها اللون الذهبي ليضفي على اللوحة العمق الروحي والقدسية، واستعمل اللون الأزرق رمز العمارة الاسلامية وجوامعها، واطرها بثلاثة اطارات زينت بالاشكال النباتية والحلزونية، مكتفيا باستعمال الألوان البسيطة حتى يزيد التركيز على شخصية الامير عبد القادر الجزائري الذي يواجه الاستعمار الفرنسي.



وصور شخصيات اخرى لعبت دوراً في تاريخ الجزائر منها التركي خير الدين بربروس منقذ العاصمة الجزائر. اضافة الى مشاهد المعارك الضارية مع المستعمر ويبدو هذا جلياً في لوحة «معركة في البحر» والتي ابتعد فيها عن الاسس والقواعد المتعارف عليها في فن المنمنمات لتتحرك الفرشاة بانسيابية وحرية مع الخطوط.



وحينما استقلت الجزائر بقي محمد راسم يعمل من أجل ازدهار فن المنمنمات واصبح مستشاراً فنياً لوزير الثقافة. وشكلت نهايته الفظيعة باغتياله العام 1975 عن عمر يناهز 79 سنة، فاجعة لأهل الفن.



استطاعت الجزائر بفضل أنامل محمد راسم ان تسترجع الصورة الزاهية لفن المنمنمات الذي نهض من جديد واخذت صورته تزداد وضوحاً يوماً بعد آخر. فراسم رسام وطني جسّد حب الوطن، ورسام عالمي ستبقى آثاره شاهدة على الفن الجزائري.
Admin
Admin
Admin

عدد الرسائل : 24
تاريخ التسجيل : 03/01/2009

https://alcherif.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى